بقلم المهندس:طارق بدراوى
** قناطر أسيوط **
مصر هبة النيل عبارة بليغة قالها هيرودوت المؤرخ الإغريقي الشهير عندما زار مصر منذ حوالي 2400 عام وتعرف علي أحوالها وأحوال سكانها فنهر النيل حقا هو شريان الحياة في مصر والذى تعتمد الزراعة فيه بصفة أساسية علي مياهه ويعتمد معظم سكانه عليه في الحصول على المياه اللازمة للشرب والنظافة وخلافه ولذلك قدسه الفراعنة وخصصوا له إلها هو حابي وخصصوا له عيدا بمناسبة قدوم فيضانه يحتفلون به في شهر أغسطس من كل عام وهو عيد وفاء النيل وعلي قدر حجم فيضان التيل السنوى وكمية المياه الواردة تتشكل الحياة في مصر حيث تتحدد إنتاجية المحاصيل الزراعية زيادة ونقصانا بقدر حجم وكمية مياه الفيضان وعندما جاء الفتح الإسلامي إلى مصر كان واليها سيدنا عمرو بن العاص يحدد قيمة الضرائب والخراج علي الأرض الزراعية حسب كمية مياه الفيضان زيادة ونقصانا …..
وفي بدايات القرن التاسع عشر الميلادى وفي عهد محمد علي باشا الكبير مؤسس مصر الحديثة بدأت دراسة كيفية ترويض هذا المارد والمسمي بنهر النيل بحيث يمكن رى الأرض الزراعية طوال العام وبالتالي لا تكون الزراعة شتوية موسمية فقط خلال الموسم الذى يلي الفيضان الصيفي ومن هنا جاءت فكرة إنشاء القناطر والسدود علي مجرى نهر التيل وهي ببساطة شديدة عبارة عن منشآت حجرية ذات بوابات تفتح وتغلق حسب الحاجة لتسمح بمرور المياه بحجم معين وفي إتجاه معين وكانت البداية في اواخر عصره بتشييد القناطر الخيرية في المنطقة التي يتفرع عندها النيل إلي فرعيه المشهورين دمياط ورشيد وذلك لتنظيم أعمال رى الأراضي الزراعية في دلتا مصر …..
وتوالي بعد ذلك في عهد خلفائه تشييد مجموعة من القناطر علي طول مجرى نهر النيل من الجنوب عند اسوان وحتي أقصي الشمال علي فرع دمباط عند فارسكور بمحافظة دمياط وعلي فرع رشيد عند ادفينا بمحافظة البحيرة وسنتناول اليوم الحديث عن أقدمها وهي قناطر أسيوط …..
وقناطر أسيوط عبارة عن مجموعة من السدود المقامة علي نهر النيل في مدينة أسيوط بصعيد مصر علي بعد حوالي 375 كم جنوبي القاهرة قام بتصميمها المهندس البريطاني الشهير السير ويليام ويل كوكس وهو من صمم ونفذ بعد ذلك مشروع خزان أسوان وكان البناء مابين عام 1898م وعام 1903م في عهد الخديوى عباس حلمي وعلي بعد حوالي 560 كم أسفل التيار القادم من أسوان وكان سبب البناء هو تحويل مياه النهر من منسوب عالي إلي منسوب منخفض لتغذية ترعة الإبراهيمية بالمياه وهي الترعة الرئيسية التي تستخدم في رى الأرض الزراعية البعيدة عن النيل في محافظات المنيا وأسيوط وسوهاج …..
وقدرت تكاليف البناء الأولية بحوالي 525 الف جنيه إسترليني زادت إلى 870 ألف جنيه إسترليني مع انتهاء البناء وقامت بالتنفيذ كمقاول عام للمشروع شركة ميسرز وايرد البريطانية وقدر حجم الأعمال الترابية للمشروع بحوالي 2 مليون و 400 ألف متر مكعب وبلفت كمية الأعمال الخرسانية حوالي 125 ألف متر مكعب بالإضافة إلي حوالي 4000 طن من الحديد والأعمال الحجرية بلغت حوالي 85 ألف متر مكعب كما استهلكت أعمال العزل حوالي 125 ألف متر مكعب من القار ويبلغ طول القناطر حوالي 1200 متر وبها 111 بوابة مقوسة عرض كل منها 5 متر وهي التي يمكن فتحها وغلقها طبقا لنظام وتوقيتات معينة بحيث تسمح للمياه بالمرور بحجم معين وفي إتجاه محدد وترتكز تلك البوابات علي ركائز بعرض قدره 27 متر وسمك قدره 3 متر …..
ونظرا لتقادم قناطر أسيوط القديمة في العمر وتأثرها بحركة النقل الثقيل فوقها وهي التي لم تصمم أصلا لذلك فإنه يجرى حاليا إنشاء قناطر جديدة وبدأ العمل في هذا المشروع في أواخر عام 2012م ومن المننظر الإنتهاء منها خلال عام 2017م وتبلغ تكلفتها حوالي 4 مليار جنيه ومن المخطط له الإستفادة من القناطر الجديدة في توليد الكهرباء إلي جانب وظيفنتها الأساسية في نقل المياه إلي ترعة الإبراهيمية …..